التجارة الإلكترونية تجذب استثمارات بمئات الملايين

شهد قطاع التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية نمواً غير مسبوق في السنوات الأخيرة، ليصبح واحداً من أسرع القطاعات نموًا في الاقتصاد السعودي. وقد اجتذبت الشركات السعودية الناشئة العاملة في هذا القطاع استثمارات كبيرة بلغت قيمتها 426.7 مليون دولار (ما يعادل 1.6 مليار ريال سعودي) في عام 2023، مما يعكس ثقة المستثمرين في إمكانيات السوق السعودي.

 

وفقًا للبيانات الصادرة عن الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة “منشآت”، من المتوقع أن يصل عدد مستخدمي منصات التجارة الإلكترونية في المملكة إلى 34.5 مليون مستخدم بحلول عام 2025، مما يمثل نموًا مذهلاً بنسبة 42% بين عامي 2019 و2024. هذا النمو يعزز مكانة المملكة كواحدة من الأسواق الرائدة للتجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA).

 

وتتوقع التقارير أن تبلغ إيرادات قطاع التجارة الإلكترونية في المملكة 56.23 مليار دولار (211 مليار ريال) بحلول نهاية عام 2024، مما يمثل قفزة نوعية مقارنةً بالسنوات السابقة. وعلى الرغم من هذا النمو السريع، لا تزال مبيعات التجارة الإلكترونية تمثل 18% فقط من إجمالي مبيعات التجزئة في المملكة، مما يفتح آفاقًا واسعة للنمو المستقبلي. وتشير التوقعات إلى أن 80% من المعاملات التجارية ستصبح رقمية بحلول عام 2030، مما يعزز من دور التجارة الإلكترونية كمحرك رئيسي للاقتصاد السعودي.

 

لقد لعبت رؤية السعودية 2030 دورًا حاسمًا في دعم نمو قطاع التجارة الإلكترونية، حيث قامت الحكومة السعودية بتأسيس مجلس التجارة الإلكترونية في عام 2018 كخطوة أساسية لتعزيز وتطوير هذا المجال. ركز المجلس على تحسين البنية التحتية للتجارة الإلكترونية، بما في ذلك تقديم حلول مبتكرة للتقنية المالية وخدمات الدفع، بالإضافة إلى تحسين الخدمات اللوجستية. هذه الجهود جعلت المملكة واحدة من أكثر أسواق التجارة الإلكترونية مرونةً وجاذبيةً للاستثمار في المنطقة.

 

وفي إطار برامج رؤية السعودية 2030، أطلقت وزارة التجارة السعودية العديد من المبادرات التي تهدف إلى تحفيز التجارة الإلكترونية. على سبيل المثال، تم إطلاق نظام التجارة الإلكترونية الذي سهل العمليات التجارية عبر الإنترنت وقدم إطارًا تنظيميًا يضمن حقوق المستهلكين والتجار على حد سواء. كما ساهم برنامج تطوير القطاع المالي، بالتعاون مع البنك المركزي السعودي، في إحداث تغييرات كبيرة في قطاع التقنية المالية، مما دعم العديد من التحولات الإيجابية في الخدمات اللوجستية، وبالتالي تحسين تجربة العملاء في الشراء عبر الإنترنت.

 

وفي تعليق له على هذه التطورات، قال محمد الملحم، مستشار وزارة التجارة السعودية: “لقد شهدنا تطورات هائلة في عدة قطاعات رئيسية، بما في ذلك البنية التحتية والبيئة التشريعية، وكلها مدعومة من برامج رؤية السعودية 2030 مثل برنامج تحفيز التجارة الإلكترونية. إن التطوير المستمر لهذه المجالات أدى إلى تسهيل العمليات التجارية عبر الإنترنت وتحفيز الابتكار، مما أسهم بشكل كبير في جعل التجارة الإلكترونية ركيزة أساسية في الاقتصاد السعودي.”

 

وبالنظر إلى المستقبل، يتوقع الخبراء أن ترتفع مساهمة قطاع التجارة الإلكترونية في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة من 4% في عام 2020 إلى 12% بحلول عام 2030، مدعومة بمعدل نمو سنوي مركب قدره 15% بين عامي 2020 و2025. هذا النمو يعكس تحولاً كبيراً في عادات المستهلكين وتوجههم نحو الشراء عبر الإنترنت، حيث يتم شراء نحو 8% من البضائع و25% من الخدمات عبر الإنترنت.

 

بالإضافة إلى ذلك، تستمر المملكة في تعزيز منظومة التجارة الإلكترونية من خلال تحسين البنية التحتية الرقمية وتوسيع نطاق خدمات الإنترنت وتطوير أنظمة الدفع الرقمية الآمنة. كما يتم التركيز على تقديم حلول لوجستية متطورة تمكن الشركات من توصيل المنتجات بسرعة وكفاءة إلى العملاء في جميع أنحاء المملكة.

 

كما أن نمو سوق الأمن السيبراني السعودي بنسبة 11.8% ليصل إلى أكثر من 3.5 مليار دولار في عام 2023 يعكس الاهتمام الكبير بحماية البيانات وتأمين العمليات الرقمية. ومع تزايد هجمات الاختراق الإلكترونية، التي تُعد من بين الأعلى تكلفة في العالم بمتوسط 8.74 مليون دولار لكل اختراق، تعمل المملكة بجدية على تحسين منظومة الأمان السيبراني لتوفير بيئة آمنة للتجارة الإلكترونية.

 

إن مستقبل التجارة الإلكترونية في المملكة يبدو مشرقاً، حيث تستمر الجهود الرامية إلى تحسين التشريعات وتنظيم السوق وتقديم الحوافز للمستثمرين والشركات الناشئة. كل هذه العوامل تسهم في جعل المملكة العربية السعودية واحدة من أبرز الأسواق العالمية في هذا المجال، وتسهم في تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030 بتنويع الاقتصاد وتعزيز الابتكار الرقمي.