كيف تساهم الملصقات الرقمية في تقليل هدر الطعام وتحقيق الاستدامة؟

يعد هدر الطعام من أبرز القضايا البيئية والاقتصادية التي تواجهها المجتمعات الحديثة، حيث يتم التخلص سنويًا من كميات ضخمة من الطعام الصالح للاستهلاك، مما يشكل تحديًا عالميًا متعدد الأبعاد. تشير الإحصائيات إلى أن ملايين الأطنان من الطعام تُهدر في كل مرحلة من مراحل سلسلة الإمداد، بدءًا من الإنتاج وحتى وصوله إلى المستهلك. وفقًا لتقرير من منظمة ReFed غير الربحية، في الولايات المتحدة وحدها، تم هدر حوالي 5 ملايين طن من الطعام في عام 2022، مع إلقاء نحو 35% من هذا الطعام في مكبات النفايات، مما يساهم بشكل كبير في التلوث البيئي وانبعاث الغازات الدفيئة. ولعل المشكلة الأكثر إثارة للقلق هي أن أكثر من نصف هذه الكميات (حوالي 2.7 مليون طن) تم التخلص منها فقط بسبب تجاوز تاريخ انتهاء الصلاحية المدون على العبوات، الأمر الذي يثير تساؤلات حول دقة هذه التواريخ ومعناها الفعلي بالنسبة للمستهلكين.

التحدي الكبير: فهم تاريخ انتهاء الصلاحية

تاريخ انتهاء الصلاحية ليس دائمًا مؤشرًا دقيقًا على فساد الطعام، بل قد يكون مجرد تقدير تقريبي لا يستند بالضرورة إلى أساس علمي دقيق. ومع ذلك، يُعتبر هذا التاريخ من الأسباب الرئيسية التي تدفع المتاجر والمستهلكين إلى التخلص من الطعام، حتى وإن كان لا يزال صالحًا للاستهلاك. في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى حلول تكنولوجية مبتكرة للمساهمة في الحد من هذا الهدر، وضمان استخدام الطعام بشكل أكثر كفاءة.

الملصقات الرقمية: خطوة نحو التحول التكنولوجي في إدارة الطعام

لحل هذه المشكلة، تشير أبحاث جديدة من جامعة تكساس إلى أن الملصقات الرقمية يمكن أن تكون الحل المثالي. في دراسات أجراها باحثون من كلية ماكومبس لإدارة الأعمال في جامعة تكساس، تم اقتراح استبدال الملصقات الورقية التقليدية على رفوف المتاجر بالملصقات الرقمية، وهي التقنية التي يمكن أن تحدث تحولًا كبيرًا في طريقة إدارة أسعار المنتجات الغذائية، خاصة تلك التي تقترب من تاريخ انتهاء صلاحيتها.

كيف تعمل الملصقات الرقمية في تقليل هدر الطعام؟

توفر الملصقات الرقمية مرونة أكبر في تغيير الأسعار بشكل ديناميكي. هذه الملصقات تمكن المتاجر من خفض أسعار المنتجات التي تقترب من تاريخ انتهاء صلاحيتها بشكل فوري ودون الحاجة لطباعة ملصقات جديدة يدويًا. يمكن تعديل الأسعار بسهولة عبر واجهة رقمية، مما يحفز المستهلكين على شراء هذه المنتجات بأسعار أقل قبل أن تنتهي صلاحيتها.

التأثير الاقتصادي والاجتماعي للملصقات الرقمية:

عند تطبيق التسعير الديناميكي عبر الملصقات الرقمية، تصبح المنتجات التي تقترب من انتهاء صلاحيتها أكثر جذبًا للمستهلكين. وهذا يؤدي إلى زيادة المبيعات وتقليل الفائض، وبالتالي تقليل هدر الطعام بشكل ملحوظ. في دراسات تطبيق هذه التقنية في بعض المتاجر الأوروبية، تبين أن هذا النظام أدى إلى زيادة بنسبة 54% في وتيرة تغيير الأسعار للمنتجات القابلة للتلف، مما ساعد في تحسين إدارة المخزون بشكل استباقي. وفي حالة سلسلة متاجر أخرى في الاتحاد الأوروبي، تم تطبيق تقنية الباركود الموسع الذي يوفر تفاصيل مثل تاريخ التعبئة وأرقام الدفعات، مما يزيد من فعالية التحديثات السعرية ويحفز المستهلكين على الشراء.

دراسات الحالة: النجاح في تطبيق الملصقات الرقمية

أظهرت دراسة الحالة الأولى، التي تم تنفيذها في سلسلة متاجر في المملكة المتحدة، كيف أدت الملصقات الرقمية إلى تغيير السعر تلقائيًا للمنتجات القابلة للتلف مع اقتراب تاريخ صلاحيتها. في هذه الحالة، شهدت المتاجر زيادة بنسبة 54% في وتيرة تغيير الأسعار، مما يبرز مدى فعالية التكنولوجيا في التحكم في المخزون وتقليل الفائض. أما في دراسة ثانية في الاتحاد الأوروبي، فقد أضافت المتاجر تقنية الباركود الموسع على المنتجات، مما أسهم في زيادة مذهلة بنسبة 853% في وتيرة تغيير الأسعار، مما يعكس كيف أن دمج المعلومات التفصيلية مع التسعير الديناميكي يمكن أن يسرع عملية بيع المنتجات المقتربة من انتهاء صلاحيتها.

التحديات التي تواجه تطبيق الملصقات الرقمية على نطاق واسع:

رغم الفوائد الكبيرة لتقنية الملصقات الرقمية، فإن هناك بعض التحديات التي قد تعيق تطبيقها على نطاق واسع. من أبرز هذه التحديات التكلفة الأولية المرتفعة لتحويل المتاجر من النظام التقليدي إلى النظام الرقمي، حيث يتطلب الأمر استثمارًا كبيرًا في الأجهزة الرقمية والبرمجيات. علاوة على ذلك، قد يكون لدى بعض المستهلكين مخاوف بشأن الأسعار أو فهمهم لطريقة عمل هذه التقنية.

ومع ذلك، بدأت بعض المتاجر الكبرى مثل وول مارت و أمازون فريش في تبني هذه التكنولوجيا. على سبيل المثال، تخطط شركة وول مارت لاستخدام الملصقات الرقمية في حوالي 2300 متجر بحلول عام 2026، مما يعكس تزايد الاهتمام بتقنيات التسعير الديناميكي.

الاستثمار في المستقبل:

يشير الباحث يوانيست ستاماتوبولوس إلى أن تقديم إعانات حكومية قد يكون من الحلول الفعالة لتشجيع المتاجر على تبني هذه التقنية. كما اقترح أن تكون هذه الإعانات مشابهة لتلك المقدمة لدعم استخدام الطاقة الشمسية أو المركبات الكهربائية، الأمر الذي قد يعزز تحول المتاجر إلى نماذج تسويق أكثر استدامة.

إن التحول إلى الملصقات الرقمية يعد خطوة هامة نحو الحد من هدر الطعام وتحقيق الاستدامة في صناعة الأغذية. من خلال تسهيل التحديثات السريعة للأسعار وتقليل الفاقد، توفر هذه التكنولوجيا حلولًا مبتكرة تسهم في تقليل كمية الطعام المهدر وتحقيق منافع بيئية واقتصادية للجميع. وبينما تواجه هذه التقنية بعض التحديات، إلا أنها تمثل فرصة حقيقية لتغيير جذري في طريقة إدارة المخزون وحماية البيئة في المستقبل.