في وقت يتسابق فيه العالم نحو تبنّي الذكاء الاصطناعي كأداة ثورية لتحسين الإنتاجية وتطوير الاقتصاد، يخرج مو جودت، المسؤول التنفيذي السابق في قسم الابتكار المتقدم لدى Google X، ليطلق تحذيرًا صارخًا، وصفه البعض بأنه “جرس إنذار” لمستقبل العمل والمجتمع.
“100% هراء”
في مقابلة على بودكاست The Diary of a CEO، لم يتردد جودت في نسف الفكرة التي يروج لها كبار قادة التكنولوجيا بأن الذكاء الاصطناعي سيخلق فرص عمل جديدة تعوّض عن تلك التي سيلغيها. وبعبارة حادة قال: “إنه 100% هراء”، مؤكدًا أن التطور المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى استبدال معظم الوظائف الحالية، حتى في المستويات الإدارية العليا.
جودت يرى أن هذه التكنولوجيا لا تميز بين وظيفة عامل مبتدئ أو رئيس تنفيذي لشركة مليارية، فجميعهم في دائرة الخطر.
لا أحد في مأمن
خلافًا للاعتقاد السائد بأن المناصب القيادية ستظل محصنة ضد التغييرات التكنولوجية، أشار جودت إلى أن حتى الرؤساء التنفيذيين، والمذيعين، ومقدمي البودكاست، والمطورين، يمكن استبدالهم بأنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة. وأضاف أن قدرة هذه الأنظمة على التحليل، واتخاذ القرار، وإدارة العمليات بكفاءة وبدون تحيزات شخصية، يجعلها منافسًا مباشرًا لأي قائد بشري.
وللتأكيد على وجهة نظره، استشهد بمشروعه الحالي Emma.love، الذي يدار من قبل ثلاثة أشخاص فقط، مدعومين بتقنيات ذكاء اصطناعي، لتنفيذ مهام كانت في الماضي تتطلب فريقًا يتجاوز 350 مطورًا.
بداية عصر “15 سنة من الجحيم”
بحسب جودت، فإن العالم على أعتاب فترة اضطراب اجتماعي عميقة تبدأ تقريبًا في عام 2027 وتمتد 15 عامًا. يصف هذه المرحلة بأنها “سنوات الجحيم”، حيث ستتزايد البطالة نتيجة فقدان الوظائف لصالح الآلات، وسيعاني الاقتصاد من ضغط شديد بسبب تقلص الطبقة الوسطى، ما قد يؤدي إلى زيادة الفقر، وتفاقم الشعور بالوحدة، وارتفاع معدلات القلق والاكتئاب.
ويعتقد أن هذه التحولات لن تقتصر على قطاع أو دولة بعينها، بل ستكون ظاهرة عالمية، لأن التكنولوجيا التي تحرك هذا التغيير متاحة للجميع، وقابلة للتطبيق في أي بيئة اقتصادية أو صناعية.
الأسباب الجذرية للتحذير
وفقًا لجودت، تكمن خطورة الذكاء الاصطناعي في عاملين رئيسيين:
السرعة الهائلة للتطور: حيث تتحسن قدرات الأنظمة بوتيرة تتفوق على قدرة المجتمع على التكيف.
غياب السياسات الاحترازية: فمعظم الحكومات والمؤسسات لا تملك استراتيجيات واضحة للتعامل مع التأثيرات السلبية المحتملة على سوق العمل.
ويشير إلى أن التبني غير المنظم لهذه التكنولوجيا، بدافع المنافسة أو الجشع، سيؤدي إلى فجوة اجتماعية واقتصادية أوسع من أي وقت مضى.
الأمل بعد العاصفة
رغم نبرته التحذيرية، فإن جودت ليس متشائمًا بالكامل. فهو يرى أن ما بعد عام 2040 قد يشهد تحولًا جذريًا نحو “يوتوبيا” تكنولوجية، حيث تُحرر المجتمعات من عبء العمل الروتيني، وتتيح للناس التركيز على الإبداع، والعلاقات الإنسانية، والمساهمة في تحسين جودة الحياة.
لكن الوصول إلى هذه المرحلة يتطلب، بحسب جودت، وعيًا جماعيًا واستعدادًا مبكرًا لمواجهة الصعوبات التي ستسبقها. ويطرح في هذا السياق أفكارًا مثل الدخل الأساسي الشامل كحل مؤقت لتأمين احتياجات الأفراد في فترة التحول.
دعوة للتحرك الآن
في ختام رسالته، يدعو جودت الحكومات والشركات والمجتمعات إلى العمل فورًا على وضع خطط واقعية للتعامل مع التحولات القادمة. فبدلاً من الاكتفاء بالوعود الوردية التي يسوقها البعض، يجب الاعتراف بالحقائق القاسية والاستعداد لها، سواء عبر سياسات تعليمية جديدة، أو إعادة تأهيل القوى العاملة، أو تطوير أطر قانونية تحمي الإنسان في عصر تتفوق فيه الآلة.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.