في مشهد تقني غير مسبوق، أعلنت المملكة العربية السعودية عن إطلاق تطبيق HUMAIN Chat، ليصبح أول تطبيق محادثة يعتمد على نموذج لغوي ضخم صُمم خصيصًا باللغة العربية. يأتي هذا الإنجاز ضمن استراتيجية المملكة للتحول إلى مركز عالمي للابتكار والذكاء الاصطناعي، ويجسّد أحد الأهداف الطموحة لـ رؤية السعودية 2030 التي تسعى إلى بناء اقتصاد معرفي قائم على التكنولوجيا المتقدمة.
ALLAM 34B: نموذج عربي بقدرات عالمية
الركيزة الأساسية لهذا التطبيق هي النموذج اللغوي العملاق ALLAM 34B، وهو نموذج تم تطويره من القاعدة على أيدي فريق سعودي يضم أكثر من 120 متخصصًا في الذكاء الاصطناعي، بينهم 35 باحثًا من حملة الدكتوراه. ما يميز هذا النموذج أنه لم يُبْنَ على نماذج أجنبية سابقة، بل جرى تصميمه وتدريبه بالكامل داخل المملكة.
جرى تدريب ALLAM على واحدة من أضخم مجموعات البيانات العربية التي تم جمعها وتنقيحها بعناية، ثم خضع لعملية تحسين دقيقة عبر مساهمة أكثر من 600 خبير في مجالات متعددة و250 مقيمًا. والنتيجة هي قدرة استثنائية على فهم اللغة العربية بصيغها المتنوعة، من الفصحى الكلاسيكية إلى اللهجات المحلية، إضافة إلى حس ثقافي عميق يجعل تفاعله أكثر قربًا من المستخدم العربي.
تطبيق عملي للذكاء الاصطناعي السيادي
ما يميز HUMAIN Chat أنه ليس مجرد نسخة عربية من تطبيقات الذكاء الاصطناعي العالمية، بل هو مشروع سيادي يعكس رغبة السعودية في بناء تقنيات خاصة بها تراعي خصوصيتها اللغوية والثقافية.
صرّح طارق أمين، الرئيس التنفيذي لشركة HUMAIN، بأن إطلاق التطبيق يشكل “لحظة فخر وطنية”، موضحًا أن الهدف لا يقتصر على توفير أداة تقنية حديثة، بل يتعداه إلى ترسيخ مكانة المملكة كقوة رائدة في تطوير الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم العربي والعالمي.
من البحث العلمي إلى التطبيق اليومي
التطبيق الجديد متاح حاليًا لمستخدمي الهواتف الذكية عبر متجري iOS وAndroid، إضافة إلى نسخة يمكن الوصول إليها عبر المتصفح. هذه الخطوة تتيح لملايين المستخدمين العرب فرصة التفاعل مع الذكاء الاصطناعي بلغتهم الأم دون حواجز.
وبحسب تصريحات HUMAIN، فإن التطبيق لا يقتصر على تقديم إجابات عامة فحسب، بل يمكن تخصيصه ليخدم قطاعات مختلفة مثل التعليم، والأعمال، والخدمات الحكومية، والرعاية الصحية. بذلك، يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة تجريبية إلى رافعة عملية تدعم تطور المجتمع والاقتصاد.
دور استراتيجي في رؤية السعودية 2030
إطلاق HUMAIN Chat يأتي متوافقًا مع الطموحات الكبيرة التي وضعتها المملكة في مجال الذكاء الاصطناعي السيادي. فمن خلال الاستثمار في القدرات المحلية وتدريب الكوادر الوطنية، تسعى السعودية إلى تحقيق استقلالية تقنية تجعلها قادرة على المنافسة عالميًا.
هذه الخطوة تمثل بُعدًا استراتيجيًا لرؤية 2030، حيث تهدف المملكة إلى أن تصبح من بين الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول نهاية العقد. فالمشروع لا يقتصر على التقنية فحسب، بل يشمل أيضًا تعزيز البحث العلمي، جذب المواهب، وتمكين الشركات الناشئة من الاستفادة من هذه البنية التكنولوجية المتطورة.
انتشار عربي متوقع
على الرغم من أن التطبيق أُطلق أولًا في السعودية، إلا أن HUMAIN أعلنت أن خططها تشمل التوسع في مختلف الدول العربية. هذه الخطوة ستسمح بتعميم الاستفادة من النموذج العربي ALLAM وتقديم بديل محلي ينافس التطبيقات الأجنبية.
هذا التوسع سيؤدي إلى تعزيز التعاون الإقليمي في مجال التقنية، وربما فتح الباب أمام شراكات عربية جديدة تساهم في بناء بيئة ابتكار متكاملة تدعم اللغة العربية كلغة علم ومعرفة.
إن إطلاق HUMAIN Chat لا يمثل مجرد إنجاز تقني، بل هو إعلان واضح عن دخول السعودية مرحلة جديدة من التطور الرقمي. من خلال نموذج لغوي عربي صُنع بأيدٍ سعودية، وبإشراف باحثين وخبراء محليين، تؤكد المملكة قدرتها على أن تكون لاعبًا رئيسيًا في ساحة الذكاء الاصطناعي العالمي.
وبينما يشكّل التطبيق نقطة البداية، فإن المستقبل يحمل آفاقًا أوسع مع خطط التوسع الإقليمي والتطوير المستمر للنموذج. ومع هذا الإنجاز، يقترب العالم العربي من امتلاك ذكاء اصطناعي يعكس هويته الثقافية واللغوية، ويمهّد الطريق لمستقبل رقمي مستقل ومتطور.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.