في خطوة تكنولوجية وإنسانية لافتة، كشف مركز إرادة للصحة النفسية في جدة عن الروبوت التفاعلي “رصين”، خطوة رائدة تعكس تطور التحول الرقمي في الرعاية النفسية بالمملكة. “رصين”، المشتق اسمه من كلمة “الرُصين” التي تعني الاعتدال والصفاء، لا يكرّر نمط الروبوتات التقليدية التي تؤدي مهام بسيطة، بل هو مساعد بشري ذكي يرتدي اللباس السعودي، يتفاعل مع الأفراد ويجيب عن أسئلتهم بدقة ووعي، مدعوم بخوارزميات الذكاء الاصطناعي العلمي المتطور.
لم يكتفِ “رصين” بإظهار التكنولوجيا الحديثة فحسب، بل انطلق في مهمة إنسانية. فهو يشارك في الأيام العالمية والمنتديات والمؤتمرات المتعلقة بالصحة النفسية والإدمان، ويزور المدارس والجامعات والمرافق الحكومية ومراكز اللياقة وصالات الألعاب الرياضية، ليسمع هموم الناس ويجيب عليها، بنداء شخصي وإنساني.
في عيادات المرضى الخارجيين والداخليين، “رصين” يلعب دور المعلم والتثقيف من خلال جلسات فردية وجماعية يشرح من خلالها طبيعة الاضطرابات النفسية والإدمان، نسب انتشارها، أسبابه ومحفزاته، أنواع الأمراض النفسية والمخدرات، علامات التحذير، المضاعفات، التوقع مع العلاج وبدونه، وكذلك الخيارات الدوائية والسلوكية المتبعة. وفي الجانب المهني والإداري، يقدم الروبوت محتوى تدريبيًا للموظفين يوضح حقوقهم ومسؤولياتهم، والإجراءات التنظيمية، ويعزز الوعي بمستجدّات رؤية 2030 والخطط الصحية المتجددة، إلى جانب الإجابة على استفسارات العاملين واقتراح مجالات تحسين.
تظهر هذه المبادرة جوانب واعدة لتحويل الذكاء الاصطناعي إلى شريك إنساني فعّال في المجال النفسي، لكن هناك تحديات منطقية قد تقف في سبيل النجاح الكامل. إذ تشير هيئة الترويج للصحة النفسية إلى أن الاعتماد الزائد على التقنية قد يُقوّض الروابط الإنسانية الثمينة بين المريض والمعالج، ويولد شعورًا من العزلة أو فقدان الثقة. كما يُطرح تساؤل أخلاقي حول استخدام البيانات الحساسة، واحتمالات التحيّز الخوارزمي، ومسألة خصوصية المعلومات الشخصية التي قد تتعرض لاختراق أو استخدام غير مسؤول.
ومع ذلك، يرى الخبراء أن آفاق الرعاية النفسية تزدحم بآمال كبيرة. إذ يتوقع أن يشهد العالم تناميًا ملحوظًا في عدد أدوات الذكاء الاصطناعي الصحية، وقد يشهد هذا القطاع نموًا خمسة أضعاف خلال العقد المقبل. الرؤية المستقبلية ترتكز على توجه واضح: تعزيز كفاءة النظام الصحي، وتحقيق وقاية أفضل، ودعم المجتمع عبر دمج الذكاء الاصطناعي ضمن المنظومة العلاجية، دون تهميش الدور البشري الراسخ.
وفي النهاية، يمثل إطلاق “رصين” نواةً حقيقية لتحوّل جاد في تقنيات العلاج النفسي في السعودية، إذ يكشف عن توجه جديد يتمحور حول التكامل بين التقنية الإنسانية واللمسة الطبية، في فضاء يعدّ فيه العقل والمعالجة أكثر عناية. كما أن هذه المبادرة يمكن أن تكون نموذجًا يُحتذى به عالميًا، وطريقًا نحو تقديم دعم نفسي معمق دون أن يتغيب جوهر العلاقة الإنسانية. المستقبل يبدو مشرقًا حين تتحول التكنولوجيات إلى نوافذ أمان وصحة للمجتمع.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.