في تحول تاريخي قد يغيّر شكل واحدة من أنقى تجارب المراسلة الرقمية، أعلنت شركة “ميتا” يوم الإثنين، عن إطلاق ميزة الإعلانات المدفوعة عبر تطبيق واتساب، في خطوة طال انتظارها، تهدف إلى تحويل التطبيق الشهير من مجرد وسيلة تواصل، إلى منصة مربحة قادرة على دعم النمو المالي للشركة العملاقة.
واتساب، الذي انطلق قبل أكثر من 15 عامًا كأداة للمراسلة المجانية والخالية من الإعلانات، يبدو أنه يستعد للدخول رسميًا في عالم التسويق الرقمي، دون أن يمس التجربة الأساسية للمستخدم – على الأقل كما تقول الشركة.
قبل سنوات، كان واتساب يفخر بشعاره الشهير: “لا إعلانات، لا ألعاب، لا حيل”، وهو الشعار الذي أعلنه الشريك المؤسس “برايان أكتون” وكرّس له فلسفة التطبيق التي جعلت منه أيقونة في الخصوصية والبساطة. لكن استحواذ “فيسبوك” على التطبيق في عام 2014 بقيمة 19 مليار دولار، بدأ يغيّر قواعد اللعبة تدريجيًا، حتى جاء الإعلان الرسمي هذا الأسبوع، ليشكّل نقطة فاصلة في تاريخ التطبيق.
فبحسب “واتساب”، فإن هذه الخطوة لا تأتي من فراغ، بل نتيجة طلب طويل الأمد من قبل الأنشطة التجارية التي تعتمد على المنصة في التسويق والتواصل، مع وجود أكثر من 200 مليون نشاط تجاري من بين أكثر من 3 مليارات مستخدم نشط شهريًا.
كيف ستظهر الإعلانات؟
الميزة الجديدة ستُفعّل تدريجيًا خلال الأشهر القادمة، ووفقًا لما أعلنه التطبيق، فإن الإعلانات لن تُعرض ضمن المحادثات الخاصة أو الجماعية، بل ستظهر فقط في قسم “الحالة” (Status) الموجود ضمن تبويب “التحديثات” (Updates)، وهو القسم المخصص مسبقًا لعرض قصص ومحتوى القنوات.
وبذلك، تسعى الشركة إلى ضمان تجربة مستخدم لا تتأثر سلبيًا، وتفادي أي خلط بين التفاعل الشخصي والمحتوى التسويقي.
استهداف مدروس دون المساس بالخصوصية
رغم مخاوف البعض من أن يكون دخول الإعلانات مدخلاً لتتبع بيانات المستخدمين، أكد واتساب أن الإعلانات ستكون موجهة بناءً على معلومات سطحية وغير حساسة، مثل:
- الدولة أو المدينة التي يقيم فيها المستخدم
- اللغة التي يستخدمها داخل التطبيق
- القنوات التي يتابعها
- طبيعة تفاعله مع الإعلانات التي شاهدها مسبقًا
وفي هذا السياق، أوضح واتساب صراحة:
> “لن نبيع رقم هاتفك للمعلنين أو نشاركه معهم، كما لن نستخدم محادثاتك أو مجموعاتك أو مكالماتك الشخصية لتحديد الإعلانات التي تراها.”
هذا التصريح يأتي كمحاولة لطمأنة المستخدمين، وتثبيت فكرة أن خصوصيتهم – وهي من أبرز نقاط قوة واتساب – لن تكون على المحك، حتى مع دخول عنصر الإعلانات.
تصريحات رسمية: استجابة لاحتياجات السوق
نيكيلا سرينيفاسان، نائبة رئيس قسم أعمال المراسلة في واتساب، صرّحت لصحيفة “فاينانشال تايمز” أن الخطوة تمثل استجابة مباشرة لرغبات الأنشطة التجارية، وقالت:
> “تلقينا هذا الطلب من الشركات منذ سنوات. كانوا يبحثون عن طريقة للوصول إلى جمهورهم دون أن يتسبب ذلك في إزعاج المستخدمين أو اقتحام مساحاتهم الخاصة.”
وأشارت سرينيفاسان إلى أن إدراج قسم “التحديثات” العام الماضي كان بمثابة تحضير لهذه المرحلة، حيث قالت:
> “لو كنت تستخدم واتساب فقط للمراسلة الشخصية ولم تفتح علامة التحديثات، فربما لن ترى أي إعلانات على الإطلاق.”
ميزات تجارية جديدة تُرافق إطلاق الإعلانات
لا يتوقف التحديث عند الإعلانات فقط، بل يتزامن معه طرح ميزتين مدفوعتين جديدتين، تستهدفان المستخدمين المتفاعلين مع القنوات التجارية والإعلامية:
1. اشتراكات القنوات (Channel Subscriptions)
هذه الميزة تمكّن المستخدمين من الاشتراك الشهري في القنوات التي يتابعونها، مقابل مبلغ رمزي يحصلون بموجبه على محتوى حصري وتحديثات خاصة غير متاحة لغير المشتركين. النموذج شبيه بمنصات المحتوى المدفوع مثل Patreon وYouTube Memberships.
2. القنوات المروَّجة (Promoted Channels)
أداة جديدة تساعد أصحاب القنوات على الوصول إلى جمهور أوسع، من خلال الترويج المدفوع للقناة عبر تبويب التحديثات، ما يرفع من احتمالية ظهورها للمستخدمين المهتمين.
الجدل حول دخول واتساب عالم الإعلانات لم يكن جديدًا. ففي عام 2023، ظهرت تقارير عن نية “ميتا” لإدخال نموذج إعلاني إلى التطبيق، وهو ما نفاه حينها رئيس واتساب “ويل كاثكارت” بشدة. واليوم، تؤكد الشركة أنها وجدت التوازن المطلوب بين الخصوصية والتسويق، من خلال تقديم الإعلانات بطريقة “منفصلة عن المحادثات”.
لكن السؤال الأهم الذي يطرحه المتابعون:
هل ستبقى هذه الإعلانات في قسم التحديثات فقط؟ أم ستكون مقدمة لتوسع قادم نحو أقسام أعمق من التطبيق؟ وهل سيتمسك واتساب بهذا التوازن، أم ستغريه الأرباح كما حدث مع منصات ميتا الأخرى مثل فيسبوك وإنستغرام؟
الإجابة لا تزال غير واضحة، لكن المؤكد أن واتساب لم يعد كما كان.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.