علماء جيولوجيا يختبرون الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالزلازل.

في محاولة علمية طموحة لإعادة تعريف أساليب التنبؤ بالكوارث الطبيعية، بدأ فريق من علماء الجيولوجيا في جامعة تكساس في أوستن باختبار تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الزلزالية والتنبؤ بالزلازل قبل وقوعها. ويأمل الفريق البحثي أن يؤدي هذا المسار الجديد إلى تحسين دقة النماذج التنبؤية الحالية والحدّ من الخسائر البشرية والمادية التي تتسبب بها الزلازل حول العالم.

لطالما كان التنبؤ بالزلازل واحدًا من أصعب التحديات التي تواجه علوم الأرض. فرغم التطور الكبير في تقنيات الرصد الزلزالي، لا تزال الزلازل تحدث في كثير من الأحيان دون إنذار مسبق، مخلفة دمارًا واسع النطاق. ويكمن أحد أكبر التحديات في تحديد اللحظة التي تتحول فيها الضغوط الجيولوجية تحت سطح الأرض إلى طاقة زلزالية مدمّرة.

لهذا السبب، لجأ الباحثون إلى الذكاء الاصطناعي، وبشكل أدق إلى نماذج التعلم الآلي، التي تتميز بقدرتها على التعامل مع كميات ضخمة من البيانات واكتشاف الأنماط الدقيقة والخفية التي يصعب على الإنسان ملاحظتها. وتعتمد هذه النماذج على تغذيتها ببيانات زلزالية واقعية مسجّلة عبر سنوات، لتتعلم منها وتبني تصوراتها الخاصة حول الإشارات التي قد تسبق الزلازل.

قام الفريق، بقيادة الباحثين في معهد الجيوفيزياء بجامعة تكساس، بتطبيق هذه النماذج على مناطق زلزالية نشطة، مثل اليابان وكاليفورنيا، حيث تتوفر بيانات عالية الجودة. وقد أظهرت النتائج الأولية أن الذكاء الاصطناعي كان قادرًا على رصد إشارات باهتة تسبق بعض الزلازل بفترة زمنية قصيرة، ما يُعد مؤشرًا واعدًا على إمكانية تطوير أنظمة إنذار مبكر أكثر دقة من الحالية.

وفي تعليق له، قال أحد الباحثين المشاركين في المشروع: “نحن لا نزعم أننا أصبحنا قادرين على التنبؤ بالزلازل بشكل كامل، لكننا نقترب من فهم أفضل لكيفية تشكّلها والظروف التي تسبق وقوعها. الذكاء الاصطناعي يمنحنا نافذة جديدة لرؤية التفاصيل التي لم نكن قادرين على تفسيرها من قبل.”

مع ذلك، يشير الفريق إلى أن الطريق ما زال طويلاً قبل أن تصبح هذه التكنولوجيا موثوقة بما يكفي لتطبيقها على نطاق واسع. فمن الضروري اختبار النموذج في بيئات جيولوجية مختلفة، والتأكد من أن التنبؤات لا تعتمد فقط على الصدفة أو الظروف الخاصة بمنطقة واحدة دون أخرى. كما أن تجنّب الإنذارات الكاذبة يعد تحديًا كبيرًا، إذ قد يؤدي إلى فقدان الثقة العامة في التكنولوجيا.

الآفاق المستقبلية لهذا البحث تفتح الباب أمام تحول كبير في تعامل المجتمعات مع مخاطر الزلازل. فإذا تمكّنت الحكومات والهيئات المختصة من دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في شبكات المراقبة الزلزالية، فقد يتمكّن العالم من تقليل آثار الكوارث الطبيعية بشكل لم يسبق له مثيل. فبضع دقائق من الإنذار المسبق كافية لإخلاء مبانٍ، ووقف وسائل نقل، وإنقاذ أرواح لا تُقدّر بثمن.

لا شك أن الجمع بين المعرفة الجيولوجية العميقة والقدرات التقنية المتقدمة للذكاء الاصطناعي يضعنا على أعتاب عصر جديد في علم الزلازل، عصر لا يعتمد فقط على مراقبة ما يحدث تحت الأرض، بل على محاولة فهم متى سيحدث، وكيف نستعد له قبل فوات الأوان.