أعلن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، عن دعمه لشركة ناشئة تهدف إلى تعديل الجينات في الأجنة بهدف القضاء على الأمراض الوراثية قبل الولادة. هذا الإعلان أثار جدلاً واسعاً لما يمثّله من تقاطع بين الذكاء الاصطناعي، الطب، والأخلاقيات، وعاد ليضع قضية “الأجنة المعدّلة” من جديد تحت المجهر.
وفقًا للتقارير، فإن الشركة التي يدعمها ألتمان — والمعروفة باسم Preventive — جمعت حتى الآن نحو 30 مليون دولار، وتخطط لاستخدام تقنيات حديثة في الهندسة الوراثية لعلاج أو منع الأمراض الوراثية الخطيرة.
ما هو مشروع Preventive؟ وما الذي يطمح إليه؟
هدف المشروع
تسعى Preventive إلى تطوير تقنيات لتعديل الجينات في الأجنة قبل ولادتها، بهدف منع انتقال الأمراض الوراثية. ويأمل المستثمرون أن تُمكّن هذه التكنولوجيا العائلات التي تحمل أمراضًا وراثية من إنجاب أطفال خالين من المخاطر الجينية.
طموحات طبية كبيرة
يدّعي مؤيدو المشروع أن معالجة الجينات منذ المراحل الأولى (الجنين) أسهل وأكثر فعالية من محاولة علاج الأمراض الوراثية لاحقًا، خاصة أن عدد المصابين بداء وراثي حول العالم يبلغ مئات الملايين.
دعم مالي وشراكات مؤثرة
إلى جانب ألتمان، شارك في التمويل عدد من المستثمرين من وادي السيليكون، ما يعكس جدية المشروع وطموحاته في أن يكون رائدًا في هذا المجال الطبي الحيوي.
الجدل الأخلاقي والقانوني حول تعديل الجينات البشرية
منع قانوني في العديد من الدول
حتى الآن، تُمنع أغلب الدول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمئات من الدول الأخرى تعديل جينات الأجنة الوراثية؛ لأن النتائج طويلة الأمد مجهولة وقد تكون خطيرة.
مخاطر طبية غير مؤكدة
ينبه كثير من العلماء إلى أن تعديل الجينات قد يؤدي إلى عواقب غير متوقعة عبر الأجيال: طفرات جينية غير محمودة، آثار جانبية على الصحة، أو تحسين صفات غير أخلاقية مثل “أطفال مصممون حسب الطلب”. هذه المخاطر تجعل المشروع محل جدل أخلاقي كبير.
جدل حول “مصير الجينات البشرية”
يعتبر البعض أن تعديل الجينات يمثل تدخلاً خطيراً في الطبيعة البشرية، وقد يؤدي إلى تقسيم المجتمعات بين من يملكون القدرة على الوصول لهذه التقنيات وبين من لا يملكونها، مما يثير أسئلة حول العدالة والإنصاف في الوصول إلى “جينات محسنة”.
دوافع سام ألتمان: بين الأمل الطبي والطموح العلمي
يبدو أن ألتمان يرى في مشروع Preventive فرصة للربط بين قدرات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي من جهة، واحتياجات الطب لعلاج الأمراض الوراثية من جهة أخرى. فبالنسبة له، إذا كانت هناك فرصة لإنقاذ حياة أطفال من أمراض موروثة عبر جيل أو اثنين — فالفائدة كبيرة.
من جهة استثمارية، يمثل المشروع فرصة لدخول قطاع مستجد ومتقدم في الهندسة الوراثية، وهو ما قد يفتح آفاقًا واسعة في بحوث الطب، الأدوية، والعلاج الجيني، خاصة مع الدعم المالي والخبرات المتاحة.
مستقبل تعديل الجينات: إمكانية أم مخاطرة؟
من غير الواضح بعد ما إذا كانت التقنية ستُطبق فعليًا على نطاق واسع، أو ستظل محصورة في حالات نادرة جدًا. ومع أن المشروع يرفع شعار الوقاية من الأمراض الوراثية، فإن الشكوك تبقى حول مدى أمانه، تأثيراته على الأجيال القادمة، والأبعاد الأخلاقية المصاحبة له.
يبقى السؤال الأكبر: هل سنشهد في المستقبل أطفالًا “مُصمّمين جينيًا” حسب رغبة أولياء أمورهم؟ وهل سيُقبل المجتمع على فكرة تعديل الطبيعة البشرية بهذا الشكل؟
قرار سام ألتمان بدعم مشروع لتعديل جينات الأجنة يضع أمامنا مفترقًا جديدًا بين الأمل بالطب المتقدم من جهة، والخشية من مخاطر علمية، أخلاقية، واجتماعية من جهة أخرى.
سواء اعتُبر خطوة نحو القضاء على الأمراض الوراثية أو بداية لموجة نقاش أخلاقي عالمي حول “الهندسة البشرية” — فالمهم أن يتبعه نقاش عالمي جاد حول القوانين، الشفافية، والأخلاقيات قبل أن تُصبح هذه التقنية حقيقة على أرض الواقع.

Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.